الإطار الضريبي للتوريق المالي في مصر
التوريق، المعروف أيضًا باسم توريق الحقوق المالية، هو أداة تمويل مبتكرة تُمكّن المؤسسات العامة والخاصة من الحصول على السيولة اللازمة دون الحاجة إلى الاقتراض المباشر. تتم هذه العملية من خلال شركات التوريق المرخصة من قبل الهيئة العامة للرقابة المالية (FRA) التي تُصدر سندات تُدفع قيمتها وعوائدها من التدفقات النقدية المستقبلية المخصصة لهذا الغرض، والمعروفة باسم “محفظة التوريق”.
كيف يعمل التوريق؟
يقوم مفهوم التوريق على تحويل القروض طويلة الأجل أو الحقوق المالية إلى أوراق مالية قابلة للتداول في سوق الأوراق المالية. وهذا يُمكّن الشركات المُصدرة من الحصول على قيمة هذه الأصول فورًا، مما يُعزز مرونتها المالية ويُمكّنها من توسيع عملياتها أو تقديم المزيد من القروض دون الحاجة إلى انتظار استحقاق الأقساط أو تحمل تكاليف إضافية ناتجة عن الاقتراض المصرفي.
التطور التاريخي للتوريق عالميًا
تعود جذور التوريق إلى الكساد الكبير عامي 1929 و1930، عندما لجأت بعض الدول، مثل فرنسا وبريطانيا، إلى تسوية ديونها بتحويلها إلى أصول قابلة للتداول كالأسهم والسندات. بعد الحرب العالمية الثانية، فُرضت تسويات مماثلة على الدول المهزومة، وأبرزها ألمانيا الشرقية والغربية، من خلال مبادلة الديون بالأصول والسندات.
على الرغم من هذه البدايات المبكرة، لم يصبح التوريق ظاهرة مالية واسعة الانتشار إلا في ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا. في البداية، ارتبط بالرهون العقارية وقروض السيارات وبطاقات الائتمان، قبل أن يتوسع لاحقًا ليشمل معظم أنواع التدفقات النقدية المستقبلية.
الإطار القانوني للتوريق في مصر
أصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية القرار رقم 115 لسنة 2022، بتنظيم إصدار سندات التوريق مقابل تدفقات نقدية مستقبلية. يستند هذا القرار إلى تعديلات قانون سوق رأس المال رقم 95 لسنة 1992. وينص القرار على أن تُصدر شركات التوريق هذه السندات بعد الحصول على موافقة الجهة المختصة، شريطة أن تكون التدفقات النقدية الخاضعة للتوريق غير مقيدة أو مشروطة، وأن تُنشأ لصالح جهات اعتبارية عامة أو خاصة، وألا تكون مثقلة بأي حقوق حالية أو مستقبلية للغير. كما يشترط إعداد دراسة مالية معتمدة من مراجع حسابات، تُفصّل معدلات التشغيل، والإيرادات السابقة (إن وجدت)، والتدفقات النقدية المتوقعة طوال فترة الإصدار.
ويتمتع حاملو السندات بحق رهن على محفظة التوريق طوال فترة الإصدار، مع إمكانية تقديم ضمانات إضافية لتعزيز الثقة والالتزام بالسداد.
الأبعاد الضريبية لعمليات التوريق
تلعب عمليات التوريق دورًا حيويًا في تعزيز سيولة السوق وتخفيف المخاطر المالية، كما هو موضح سابقًا. ومع ذلك، فإن لهذه العمليات آثارًا ضريبية مباشرة بموجب القانون المصري.
تخضع أرباح رأس المال الناتجة عن بيع سندات التوريق (الأوراق المالية المدعومة بأصول) لمعدل ضريبة ثابت قدره 10%، وفقًا لأحكام قانون ضريبة الدخل رقم 91 لسنة 2005. ويُستثنى من ذلك حامل هذه الأوراق المالية غير المقيم في مصر والمُدرجة في البورصة المصرية؛ وفي هذه الحالة، لا تخضع أرباح رأس المال للضريبة.
بالإضافة إلى ذلك، تُفرض ضريبة ثابتة قدرها 20% على عوائد الاستثمار الناتجة عن سندات التوريق، وفقًا لأحكام قانون ضريبة الدخل رقم 91 لسنة 2005.
ختاما
لقد تطوّر التوريق في مصر ليُصبح أداة مالية متقدمة تُسهم في تعزيز السيولة، وتوسيع قاعدة الاستثمار، ودعم قوة سوق رأس المال. وفي مصر، يوفر الإطار القانوني المنظم تحت إشراف الهيئة العامة للرقابة المالية ضمانات جوهرية للشفافية، وإدارة المخاطر، وحماية حقوق المستثمرين.
ولا يقتصر دور التوريق على كونه وسيلة تمويلية مبتكرة، بل يمتد ليشمل أبعادًا ضريبية ذات تأثير مباشر على كل من المُصدرين والمستثمرين. ففرض الضرائب على أرباح رأس المال، وعوائد السندات، وعائدات البيع، يعكس توجه الدولة نحو تحقيق التوازن بين تحفيز نشاط التوريق والحفاظ على مواردها العامة.
بالنسبة للمؤسسات المالية والشركات، يُمثل إدراك الآثار الضريبية للتوريق عنصرًا أساسيًا عند هيكلة الصفقات، إذ إن الكفاءة الضريبية قد يكون لها أثر بالغ على صافي العائدات وجاذبية السوق. ومن ثمّ، يُمكن القول إن التوريق في مصر لا يُجسّد مجرد وسيلة للتمويل المبتكر، بل يُمثل أيضًا مجالًا محوريًا يبرز فيه دور التخطيط الضريبي الاستراتيجي في تعظيم القيمة وتحقيق الاستدامة المالية.
للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على info@eg.andersen.com