تأثير قانون التأمين الموحد المصري رقم 155 لسنة 2024
قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024 يمثل تحولًا جوهريًا في تنظيم قطاع التأمين بمصر، حيث يهدف إلى دمج التشريعات المتفرقة في إطار شامل يعزز من كفاءة السوق، ويحمي حقوق جميع الأطراف المتعاملة. يركز القانون على إرساء قواعد جديدة تُحدث توازنًا بين حماية حقوق المؤمن عليهم وتشجيع الاستثمارات في القطاع، من خلال نصوص مبتكرة تشمل تنظيم الترخيص، الإفصاح عن العقود، ضمان الاحتياطات المالية، والتحول إلى التأمين الرقمي.
أحد أبرز ملامح القانون هو المادة (158) التي وضعت معايير صارمة لترخيص شركات التأمين، ما يضمن وجود شركات ذات كفاءة مالية وإدارية عالية. والمادة (5) التي ألزمت الشركات بتقديم إفصاح شامل عن شروط وأحكام العقود، مما يحمي العملاء ويعزز الشفافية. المادة (204) تطلبت من الشركات توفير احتياطات مالية كافية لضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ما يعزز استقرار السوق، في حين جاءت المادة (199) لتنظيم التأمين الرقمي، مما يفتح المجال أمام الابتكار التكنولوجي وتقديم خدمات أكثر عصرية.
رغم هذه النصوص المميزة، فإن الانتقال من الإطار التشريعي القديم إلى القانون الجديد خلق حالة من الارتباك داخل السوق. من أبرز أسباب هذا الارتباك هو غياب التفاصيل الكافية حول كيفية التعامل مع العقود التي أبرمت في ظل التشريعات القديمة. لم يحدد القانون ما إذا كانت هذه العقود ستظل خاضعة للتشريعات السابقة أم ستُعدل لتتوافق مع النصوص الجديدة، مما يثير تساؤلات قانونية ويؤخر تسوية النزاعات.
اشتراطات الترخيص الجديدة مثل تلك الواردة في المادة (158) تفرض متطلبات مالية وإدارية مشددة قد تعوق الشركات الصغيرة والمتوسطة عن التكيف معها خلال فترة زمنية قصيرة، مما قد يؤدي إلى خروج بعض الشركات من السوق. التحديات التقنية المرتبطة بتطبيق المادة (199) المتعلقة بالتأمين الرقمي تزيد من الأعباء على الشركات التقليدية التي لا تزال تعتمد على أنظمة تشغيل قديمة وغير متوافقة مع المتطلبات الجديدة.
النزاعات القائمة التي نشأت بموجب القوانين السابقة تشكل تحديًا إضافيًا. لم يقدم القانون الجديد آليات واضحة لمعالجة هذه النزاعات، مما يترك المحاكم الاقتصادية أمام تساؤلات حول القوانين الواجب تطبيقها على القضايا التي لا تزال منظورة. هذا الغموض قد يؤدي إلى إطالة أمد النزاعات وزيادة حالة عدم اليقين.
للتغلب على هذه التحديات وضمان تطبيق سلس للقانون، من الضروري تبني مراحل انتقالية مدروسة تمنح الشركات الوقت الكافي لتوفيق أوضاعها مع المتطلبات الجديدة. إصدار لوائح تنفيذية تفصيلية توضح خطوات التطبيق العملي والإطار الزمني لكل مرحلة سيساهم في تقليل الغموض. تعزيز التوعية من خلال حملات وورش عمل موجهة للشركات والقضاة والمستشارين القانونيين ضروري لضمان فهم الجميع لمتطلبات القانون الجديد. كما أن تقديم دعم تقني ومالي للشركات الصغيرة والمتوسطة سيساعدها على التكيف مع التحول الرقمي وتلبية متطلبات القانون.
الهيئة العامة للرقابة المالية لعبت دورًا إيجابيًا في الحد من حالة الارتباك. من خلال تنظيم ورش عمل بالتعاون مع وزارة العدل، تم تدريب قضاة المحاكم الاقتصادية على مواد القانون الجديد، ما ساهم في توحيد الفهم القانوني وسرعة الفصل في النزاعات. كما أطلقت الهيئة مبادرات توعوية للشركات لشرح المتطلبات الجديدة وتقديم الإرشادات اللازمة.
ومع ذلك، لتحقيق الاستفادة الكاملة من القانون، يجب على الهيئة اتخاذ خطوات إضافية. إنشاء منصة تفاعلية لاستقبال استفسارات الشركات والعملاء، وتقديم دعم فني وتقني للتحول الرقمي، وتعزيز الرقابة الميدانية لضمان الالتزام بالنصوص الجديدة، كلها خطوات ضرورية لضمان التطبيق الفعال. إعداد تقارير دورية عن تأثير القانون سيساعد على تحسين التنفيذ وتطوير التشريعات المستقبلية.
قانون التأمين الموحد رقم 155 لسنة 2024 هو فرصة حقيقية لتطوير قطاع التأمين في مصر، لكن نجاحه يتوقف على معالجة التحديات التي يفرضها تطبيقه. التنسيق الفعال بين الهيئة العامة للرقابة المالية، المحاكم الاقتصادية، والشركات العاملة في القطاع سيكون العامل الحاسم لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام في هذا المجال الحيوي.
للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على info@eg.andersen.com