قانون مكافحة الإغراق والمنافسة في مصر
في ظل التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري، تزايدت المطالب بحماية الصناعات الوطنية من تدفق الواردات منخفضة السعر، سواء الناتجة عن ممارسات إغراق أو تقلبات الأسواق العالمية. وبالفعل، وفّر المشرّع المصري من خلال القانون رقم ١٦١ لسنة ١٩٩٨ أدوات للتدخل الحمائي، منها الرسوم الوقائية، كوسيلة للتصدي للضرر الجسيم الذي قد يصيب الصناعات المحلية. غير أن هذه الأدوات، إذا لم تُدار ضمن إطار مؤسسي شفاف ومتوازن، قد تؤدي إلى نتائج عكسية، أبرزها تقويض المنافسة، وإضعاف ديناميكية السوق، وتعميق الاحتكار تحت غطاء الحماية الاقتصادية.
الإطار القانوني في مصر
ينص القانون رقم ١٦١ لسنة ١٩٩٨ولائحته التنفيذية على آليات فرض الرسوم الوقائية ورسوم مكافحة الإغراق والدعم، استنادًا إلى مبادئ منظمة التجارة العالمية. ويخول القانون لوزارة التجارة والصناعة، عبر جهاز مكافحة الدعم والإغراق، سلطة التحقيق وفرض التدابير، سواء مؤقتة أو نهائية، إذا ثبت الضرر أو التهديد بضرر جسيم على الصناعة الوطنية. غير أن واقع التطبيق يُظهر افتقار هذه الإجراءات إلى تقييم متكامل للتأثيرات على السوق ككل، لا سيما من زاوية المنافسة، وسلوك المستهلك، وتنوع العرض، وهو ما يخلق فجوة تنظيمية تتعارض مع متطلبات السوق الحرة.
الرسوم الوقائية كأداة مزدوجة الأثر
في حين أن الرسوم الوقائية تهدف إلى حماية الصناعة المحلية من المنافسة الضارة، فإنها، إذا لم تُحكم بضوابط دقيقة، قد تتحول إلى أداة تقييد تنافسي، تُقوّض مبدأ تكافؤ الفرص. فهي تمنح المنتج المحلي ميزة سعرية مصطنعة، دون ربط ذلك بتحسين الأداء أو الكفاءة. كما أنها تُضعف الضغط التنافسي اللازم لتحفيز الجودة، وتدفع الموردين المعتمدين على الاستيراد للخروج من السوق، ما يؤدي إلى تركز العرض، ورفع الأسعار، وإضعاف الابتكار.
المقارنات الدولية – تجارب تنظيمية راسخة
الاتحاد الأوروبي – الحوكمة المؤسسية والمراجعة الدورية
يمتاز الاتحاد الأوروبي بنظام دقيق وشفاف في التعامل مع تدابير الحماية. لا تُفرض الرسوم إلا بعد إجراء تحقيقات علنية بواسطة المفوضية الأوروبية، ويُمنح الأطراف المتأثرة – بما فيهم المستوردون والمستهلكون – الحق في تقديم البيانات والاعتراضات. كما يشترط القانون الأوروبي تقديم الأدلة على أن الصناعة المتضررة استخدمت فترة الحماية لإعادة الهيكلة وتحسين الكفاءة، وإلا تُرفع الحماية تلقائيًا. تُخضع هذه القرارات لمراجعة قضائية من محكمة العدل الأوروبية، ما يضمن التوازن بين الحماية المؤقتة والمنافسة المستدامة.
الولايات المتحدة – فصل صارم بين الجهات وتحقيقات متعددة الأبعاد
في الولايات المتحدة، تتوزع السلطات بين لجنة التجارة الدولية (USITC) المختصة بالتحقيق الفني، ووزارة التجارة المختصة بالتنفيذ. وتُراعى في التقييم جوانب متعددة: من بينها أثر الرسوم على المستهلك النهائي، واستقرار السوق، ومدى الضرر الفعلي. ويُمنح الأطراف المتضررة حق الطعن القضائي أمام المحاكم الفيدرالية، ما يرسّخ مبدأ المساءلة والرقابة.
الهند – اتساع استخدام الرسوم مقابل ضعف الرقابة التنافسية
تُظهر التجربة الهندية توسعًا ملحوظًا في فرض الرسوم الوقائية استجابة لمطالب الصناعات المحلية، في ظل غياب تقييم مستقل للأثر على المنافسة والأسعار. ورغم أن الهند تلتزم شكليًا بإجراءات منظمة التجارة العالمية، إلا أن التطبيق العملي يكشف في أحيان كثيرة عن تغليب مصالح المنتج المحلي على حساب المستهلك والتاجر والمستورد، ما أدى في بعض القطاعات إلى تثبيت أوضاع احتكارية محمية إداريًا.
الوضع في مصر – غياب التنسيق المؤسسي وتضارب الصلاحيات
في مصر، يتجلى التحدي الأساسي في غياب الربط المؤسسي بين سياسة الحماية التجارية وسياسة حماية المنافسة. فرغم أن جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية يتمتع بصلاحيات قانونية بموجب القانون رقم ٣ لسنة ٢٠٠٥، إلا أن آليات فرض الرسوم الوقائية تظل خارج نطاق اختصاصه المباشر، إذ تُدار بالكامل من قبل وزارة التجارة والصناعة، دون اشتراط التنسيق أو الاستشارة الفنية معه.
هذا الانفصال يُنتج فراغًا تنظيميًا خطيرًا، يسمح بتمرير قرارات حمائية تؤثر جوهريًا على توازن السوق، دون إجراء تقييم مستقل للتأثيرات التنافسية. وفي حالات عدة، تؤدي هذه التدابير إلى تعزيز هيمنة كيانات كبيرة، بعضها شبه حكومي أو يتمتع بنفوذ تنظيمي، مما يُكرّس أوضاعًا احتكارية مقنّعة باسم الحماية.
كما أن غياب آليات المراجعة القضائية السريعة، أو التشاور البرلماني، يزيد من صعوبة الطعن أو تصحيح القرارات التي قد يكون لها أثر سلبي طويل الأمد على بيئة الاستثمار.
توصيات لإصلاح السياسة الحمائية في مصر
لضمان التوازن بين حماية الصناعة وتعزيز المنافسة، تبرز الحاجة إلى إصلاح شامل للأطر القانونية والتنظيمية الحاكمة لتدابير الإغراق والرسوم الوقائية، من خلال:
- تعديل القانون رقم ١٦١ لسنة ١٩٩٨ لإدماج تقييمات الأثر التنافسي ضمن إجراءات التحقيق.
- إلزام وزارة التجارة بالتنسيق المسبق مع جهاز حماية المنافسة قبل فرض أي رسوم.
- إنشاء لجنة مستقلة دائمة لتقييم التدابير الحمائية متعددة الأثر، تضم ممثلين عن الجهات المعنية وخبراء اقتصاد سوق.
- ربط فرض الرسوم بخطط تطوير صناعية قابلة للقياس، مع مراجعة دورية لأثرها على الأسعار والمنافسة.
خاتمة
إن الحماية الاقتصادية لا تعني منح الامتيازات، بل تنظيم المنافسة ضمن إطار عادل ومنضبط. وأي سياسة تُفرض باسم الحماية يجب أن تُخضع لرقابة صارمة، وتقييم مستقل، ومساءلة قانونية، حتى لا تتحول من أداة دفاعية إلى وسيلة لتعطيل السوق. وتبقى الممارسات الدولية الناجحة في هذا المجال دليلاً على أن الحماية الحقيقية تبدأ من شفافية القرار، وتكامل المؤسسات، والتوازن بين المنتج والمستهلك والمنافس.
للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على info@eg.andersen.com