Worldwide Locations:

الآثار الضريبية للتأجير التمويلي في مصر في ظل معيار المحاسبة رقم ٤٩

يُعدّ التأجير التمويلي أحد الركائز الأساسية للقطاع المالي غير المصرفي في مصر، إذ يوفّر للشركات آلية فعّالة ومنظمة لتمويل الأصول الإنتاجية دون الحاجة إلى تحمّل تكاليف رأسمالية كبيرة مقدمًا. وقد تزايدت أهميته مع اتساع توجه الشركات نحو حلول تمويل مرنة تدعم التوسع، وتعزّز إدارة السيولة، وتمكّن من التخطيط الاستثماري على المدى الطويل.

وفي هذا السياق، أدّت الإصلاحات التشريعية التي أُدخلت عام ٢٠١٨ بموجب القانون رقم ١٧٦ لسنة ٢٠١٨ إلى تحديث المعايير المحاسبية المصرية. ونتيجة لذلك، صدر المعيار المحاسبي المصري رقم ٤٩ «عقود الإيجار» ليحل محل المعيار المحاسبي المصري رقم ٢١ بشأن «التأجير التمويلي»، بما يحقق مواءمة المتطلبات المحلية مع التطورات العالمية في محاسبة عقود الإيجار.

مفهوم التأجير التمويلي وطبيعته القانونية

التأجير التمويلي هو ترتيب تمويلي تقوم بمقتضاه شركة تأجير مرخصة بشراء أصل يحدده المستأجر، ثم تمنح المستأجر حق استخدام هذا الأصل لمدة يتفق عليها الطرفان في العقد. وغالبًا ما تتجاوز هذه المدة ٪٧٠ من العمر الإنتاجي أو الاقتصادي للأصل محل التأجير. ورغم احتفاظ شركة التأجير بالملكية القانونية للأصل طوال مدة العقد، يتحمل المستأجر المخاطر الاقتصادية ويتمتع بمنافع استخدام الأصل. ويُعد هذا الفصل بين الملكية القانونية والسيطرة الاقتصادية السمة الجوهرية للتأجير التمويلي، وهو ما ينعكس على المعالجة المحاسبية والضريبية.

وفي نهاية مدة العقد، يكون للمستأجر عادةً خيار شراء الأصل بسعر متفق عليه مسبقًا (وغالبًا ما يكون أقل من القيمة العادلة للأصل في ذلك التاريخ)، أو إعادة الأصل إلى المؤجر، وفقًا لأحكام وشروط عقد الإيجار.

البيئة التنظيمية قبل عام ٢٠٢٠

قبل عام ٢٠٢٠، كانت أنشطة التأجير التمويلي في مصر تخضع أساسًا لأحكام القانون رقم ٩٥ لسنة ١٩٩٥، الذي وضع إطارًا عامًا لممارسة النشاط. إلا أن هذا القانون لم يكن يعكس بصورة كاملة الجوهر الاقتصادي لعمليات التأجير التمويلي. كما كانت الرقابة التنظيمية محدودة، وكانت إجراءات تسجيل العقود وإنفاذها تتسم بعدم الكفاءة. إضافة إلى ذلك، لم تكن المعالجة المحاسبية وفقًا للمعيار المحاسبي المصري رقم ٢٠ لسنة ٢٠٠٦ متسقة مع الخصائص المميزة للتأجير التمويلي مقارنة بعقود الإيجار التشغيلي؛ إذ اتجهت المعالجة إلى اعتباره في جوهره إيجارًا تشغيليًا، بما يتيح للمستأجر الاستفادة من الأصل دون تحمّل المخاطر التشغيلية المرتبطة به.

وبناءً على ذلك، كان المستأجر يُثبت مدفوعات الإيجار الدورية كمصروف في دفاتره المحاسبية وفقًا لعقد التأجير التمويلي. ويظهر هذا المصروف في قائمة الدخل، ويعكس عنصر الإهلاك إلى جانب عنصر الفائدة (عبء التمويل) المنصوص عليه في العقد. كما يُثبت الجزء غير المسدد من دفعات الإيجار كالتزام طويل الأجل في قائمة المركز المالي. وفي المقابل، كان المؤجر يُثبت الأصل في دفاتره باعتباره المالك القانوني، ويقوم بإهلاك الأصل على مدى عمره الإنتاجي، ويعترف بالإيرادات المحصلة من المستأجر باعتبارها قيمة الإيجار.

وكانت مسألة الإهلاك من أبرز الإشكاليات في تلك الفترة؛ إذ كانت شركات التأجير تحتسب الإهلاك في كثير من الحالات بصفتها المالكة القانونية للأصول، رغم أن العملاء كانوا المستخدم الفعلي للأصول ويتحملون المخاطر التشغيلية. وأدى هذا التباين إلى عدم اتساق بين المعالجة المحاسبية والمعالجة الضريبية والواقع الاقتصادي، ونتج عنه نزاعات متكررة مع مصلحة الضرائب.

التحول التنظيمي بعد عام ٢٠٢٠

يحكم المعيار المحاسبي المصري رقم ٤٩ (EAS) المعالجة المحاسبية لعقود الإيجار في مصر. وقد صدر في عام ٢٠١٩ ليحل محل المعيار رقم ٢٠، وهو متسق مع المعيار الدولي للتقارير المالية رقم ١٦ (IFRS ١٦). ويفرّق المعيار — من منظور المستأجر — بين الإيجار التشغيلي والإيجار التمويلي، ويلزم المستأجر بإثبات أصل حق الاستخدام والالتزام المقابل لعقد الإيجار في قائمة المركز المالي، بما يعكس الجوهر الاقتصادي للمعاملة. أما بالنسبة للمؤجر، فلا يميّز المعيار بين الإيجار التشغيلي والإيجار التمويلي، ويستمر تطبيق مبدأ انتقال المخاطر والمنافع، مع اعتراف المؤجر بالإيرادات المحصلة من المستأجر.

ويُطبق هذا المعيار على الفترات المالية التي تبدأ في أو بعد ١ يناير ٢٠٢٠، مع تطبيق الأثر المبكر للمعيار على سنة المقارنة ٢٠١٩ بالنسبة للعقود التي تتداخل فتراتها بين السنتين.

معالجة الإهلاك في الإطار الجديد – المعيار رقم ٤٩

وفقًا للمعيار المحاسبي المصري رقم ٤٩، تتم معالجة الإهلاك على أساس أصل حق الاستخدام بدلًا من الأصل ذاته، حيث تقوم المنشأة المستأجرة بإثبات أصل حق الاستخدام عند بدء عقد الإيجار ثم إهلاكه بصورة منتظمة تعكس نمط استهلاك المنافع الاقتصادية المرتبطة به، وغالبًا ما يتم احتساب الإهلاك وفق أسلوب القسط الثابت ما لم يكن هناك نمط آخر أكثر ملاءمة. ويُعترف بالإهلاك على مدى مدة عقد الإيجار إذا لم توجد درجة معقولة من التأكد بشأن انتقال ملكية الأصل إلى المستأجر في نهاية العقد، أما إذا وُجد تأكد معقول من انتقال الملكية، فيتم إهلاك أصل حق الاستخدام على مدى العمر الإنتاجي للأصل. وفي جميع الأحوال، يُثبت مصروف الإهلاك في قائمة الدخل بشكل منفصل عن مصروف الفائدة الناشئ عن التزام الإيجار، بما يحقق فصلًا واضحًا بين عنصر الإهلاك وعنصر التمويل ويعكس جوهر المعالجة المحاسبية وفق الإطار الجديد للمعيار رقم ٤٩.

الآثار الضريبية للمعالجة الجديدة

وفقًا لقانون التأجير التمويلي رقم ١٧٦ لسنة ٢٠١٨، يحق للمؤجر خصم الإهلاك والإطفاء والفوائد المرتبطة بأصل حق الاستخدام ضمن التكاليف واجبة الخصم ضريبيًا في إقراره الضريبي، وذلك في حدود قيمة الإيجار المدفوعة فعليًا. كما أن تطبيق المعيار المحاسبي المصري رقم (٤٩) لعقود الإيجار يترتب عليه آثار ضريبية — لا سيما فيما يتعلق بالعقود التي تتداخل فتراتها بين تطبيق المعيارين — نتيجة الفروق بين المعالجة المحاسبية والمعالجة الضريبية. وفي حين يخضع حساب التسوية في دفاتر المؤجر لضريبة الشركات وفقًا لقانون ضريبة الدخل المصري رقم ٩١ لسنة ٢٠٠٥ وتعديلاته.

وتتمثل الآثار الضريبية الأساسية بوجه رئيسي في اختلاف طريقة الاعتراف المحاسبي بمصروف الإهلاك على أصل حق الاستخدام ومصروف الفائدة على التزام الإيجار، مقارنةً بالاعتراف الضريبي الذي غالبًا ما يجيز خصم دفعات الإيجار فقط. وهو ما يؤدي إلى فروق في العبء الضريبي لكلٍ من المؤجر والمستأجر.

أثر الإصلاحات على السوق

أحدثت الإصلاحات المرتبطة بتطبيق المعيار المحاسبي المصري رقم (٤٩) تأثيرات ملحوظة على السوق؛ إذ ساهمت في تعزيز الشفافية والموثوقية من خلال إظهار التزامات الإيجار وحقوق الاستخدام في القوائم المالية بعد أن كانت غير ظاهرة في كثير من الحالات. وقد مكّن ذلك المستثمرين والمقرضين من تقييم المركز المالي الحقيقي للمنشآت بصورة أدق. كما حسّنت هذه الإصلاحات من قابلية المقارنة بين الشركات التي تعتمد نماذج تمويل مختلفة، وهو ما انعكس إيجابًا على كفاءة قرارات الاستثمار والائتمان.

ومن ناحية أخرى، أدى الاعتراف بحقوق الاستخدام والتزامات الإيجار إلى زيادة ظاهرية في نسب المديونية وتغييرات في بعض مؤشرات الأداء المالي، مما دفع بعض الشركات إلى إعادة النظر في هيكل عقود الإيجار ومددها وشروطها. وعلى مستوى سوق التأجير، شجعت هذه الإصلاحات شركات التأجير والتمويل على تطوير منتجات أكثر مرونة وشفافية، وأسهمت في تعزيز الانضباط المالي واستقرار السوق على المديين المتوسط والطويل، دون الإضرار بجاذبيته الاستثمارية.

الخاتمة

يتضح مما سبق أن التأجير التمويلي في مصر شهد تطورًا جوهريًا على المستويين التشريعي والمحاسبي، بما يعكس انتقالًا من التركيز على الشكل القانوني للعقود إلى التركيز على جوهرها الاقتصادي. وقد أسهم صدور القانون رقم ١٧٦ لسنة ٢٠١٨ ثم تطبيق المعيار المحاسبي المصري رقم (٤٩) في عام ٢٠٢٠، في إعادة تنظيم هذا النشاط على أسس أكثر اتساقًا مع المعايير الدولية، وتعزيز الشفافية وتقليل أوجه القصور التي كانت قائمة في الإطار السابق، خصوصًا فيما يتعلق بمعالجة الإهلاك وتحديد الطرف الذي يتحمل المخاطر والمنافع الاقتصادية للأصل.

كما أتاح الإطار الجديد معالجة أدق للفروق بين المعالجة المحاسبية والمعالجة الضريبية عبر الاعتراف بالفروق الضريبية المؤقتة وآليات الضريبة المؤجلة، بما يقلل النزاعات الضريبية ويحقق قدرًا أكبر من العدالة والوضوح. وعلى مستوى السوق، ساهمت هذه الإصلاحات في تحسين جودة المعلومات المالية، وزيادة كفاءة قرارات الاستثمار والتمويل، وتشجيع تطوير نماذج أعمال شركات التأجير، بما يدعم دور التأجير التمويلي كأداة فعّالة لتمويل الاستثمار وتحفيز النمو الاقتصادي. وبناءً عليه، يمكن القول إن الإصلاحات الأخيرة تمثل خطوة مهمة نحو بناء سوق تأجير تمويلي أكثر كفاءة واستدامة، شريطة استمرار التنسيق بين الأطر المحاسبية والضريبية، وأن يصاحب التطبيق العملي لهذه المعايير وعيٌ ورقابةٌ فعّالة.

 للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على  info@eg.andersen.com

Written By

Tax Department
door