قانون الرياضة المصري رقم 71 لسنة 2017
قانون الرياضة المصري رقم 71 لسنة 2017 يمثل أحد أهم التحولات التشريعية في تاريخ الرياضة المصرية، حيث تم تصميمه ليتماشى مع التحديات الحديثة ويضع الرياضة المصرية على المسار الصحيح نحو الاحترافية والتنظيم وفق المعايير الدولية. جاء هذا القانون ليحل مشكلات هيكلية كانت تواجه القطاع الرياضي لعقود، سواء على مستوى التنظيم الإداري أو حماية الحقوق أو حتى تطوير البنية التحتية. من خلال هذا القانون، تم تعزيز الاستقلالية الإدارية والمالية للهيئات الرياضية، مع إقرار قواعد صارمة لتنظيم العلاقة بين الأندية، اللاعبين، الاتحادات والجماهير.
إحدى أبرز النقاط التي أحدثت فرقًا جوهريًا في هذا القانون هي التأكيد على استقلالية الهيئات الرياضية. فبموجب أحكام القانون، أصبحت الأندية والاتحادات قادرة على إدارة شؤونها الداخلية دون تدخل مباشر من الحكومة، مع إلزامها بالامتثال للقوانين الوطنية والمعايير الدولية. هذا يعزز من قدرة هذه الهيئات على اتخاذ قرارات استراتيجية طويلة الأمد بعيدًا عن التأثيرات السياسية أو الإدارية. ومع ذلك، فإن التطبيق العملي لهذا المبدأ أظهر أن الاستقلالية تحتاج إلى رقابة دقيقة لضمان ألا تتحول إلى فوضى إدارية.
من التطورات المحورية التي أتى بها القانون إنشاء مركز التحكيم الرياضي المصري، وهو جهة مستقلة ومتخصصة تعمل على حل النزاعات الرياضية بطريقة سريعة وفعالة. هذا المركز يمثل بديلًا عمليًا عن المحاكم التقليدية التي كانت تعاني من بطء الإجراءات وتعقيدها. المركز أصبح مسؤولًا عن القضايا المتعلقة بالعقود، الانتقالات، أو الخلافات بين اللاعبين والأندية، مما وفر منصة مرنة وعادلة لجميع الأطراف. ومع ذلك، فإن نجاح المركز يعتمد على تطوير قدراته، وضمان التزام الجميع باللجوء إليه كجهة أساسية لحل النزاعات.
القانون أعطى أهمية خاصة لحماية اللاعبين القُصّر، الذين يعتبرون الفئة الأكثر عرضة للاستغلال. نصت أحكامه على أن أي عقد يُبرم مع لاعب قاصر يجب أن يتم بموافقة كتابية من أولياء أموره، لضمان حماية حقوقه ومنع أي استغلال مالي أو رياضي. علاوة على ذلك، أُلزمت الأندية بتخصيص جزء من مستحقات اللاعبين القُصّر لضمان مستقبلهم المالي، مع وضع قيود صارمة على التصرف في هذه الأموال. كما شملت الأحكام وضع ضوابط دقيقة لتنظيم انتقالات اللاعبين القُصّر بين الأندية لضمان توافق هذه التحركات مع مصلحة اللاعب الرياضية والتعليمية.
الرعاية الصحية كانت أحد المحاور الأساسية في القانون، حيث ألزمت الأندية بتوفير تأمين طبي شامل لجميع اللاعبين، يغطي الإصابات التي قد تحدث أثناء التدريبات أو المباريات. ومع ذلك، لا تزال بعض الأندية الصغيرة تعاني من تحديات مالية تعيق تقديم هذه الخدمات بالشكل المطلوب. الأمر الذي يستدعي التفكير في حلول مبتكرة مثل إنشاء صندوق وطني لدعم الرعاية الصحية، يتم تمويله من خلال رسوم تسجيل اللاعبين والغرامات المفروضة على الأندية المخالفة.
تشجيع الاستثمار الرياضي كان خطوة جريئة في القانون. من خلال السماح للأندية بتأسيس شركات مساهمة لإدارة أنشطتها الاستثمارية، يُفتح المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في تطوير البنية التحتية وتعزيز الموارد المالية للأندية. ومع ذلك، فإن ضمان استدامة هذا الاستثمار يحتاج إلى تقديم حوافز ضريبية وتنظيمية لجذب المستثمرين، إضافة إلى وضع سياسات استثمارية واضحة وشفافة.
ورغم كل هذه المزايا، أظهر التطبيق العملي للقانون عيوبًا تحتاج إلى معالجة. ضعف الرقابة على العقود الرياضية أتاح لبعض الأندية الاستمرار في توقيع عقود بشروط غير عادلة، خاصة مع اللاعبين القُصّر. كما أن غياب تنظيم دقيق لدور وكلاء اللاعبين جعلهم أحيانًا يستغلون هذه الفئة بعقود مجحفة أو غير قانونية. من جهة أخرى، تعقيد ضوابط الانتقالات، خاصة فيما يتعلق باللاعبين القُصّر، أوجد تحديات أمام الأندية الصغيرة التي تفتقر إلى الموارد القانونية.
في ظل التغيرات العالمية والاحتياجات المستقبلية، فإن تطوير هذا القانون ليواكب عام 2025 يتطلب مقترحات عملية وذكية. يجب أولًا إنشاء هيئة رقابية متخصصة تتولى مراجعة العقود الرياضية لضمان امتثالها للقانون وحماية حقوق اللاعبين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطوير نظام إلكتروني مركزي لتسجيل العقود ومتابعتها، بما يضمن الشفافية وسهولة الوصول إلى المعلومات.
من الضروري أيضًا وضع لوائح صارمة تُنظم عمل وكلاء اللاعبين، تتضمن شروط تسجيل واضحة وإجراءات رقابية دورية. يجب أن يُلزم الوكلاء بتقديم تقارير مفصلة عن نشاطاتهم لضمان حماية اللاعبين القُصّر من أي استغلال. لتسهيل انتقالات اللاعبين القُصّر، يمكن إنشاء منصة إلكترونية تُديرها الاتحادات الرياضية، تقدم إرشادات واضحة وتوفر دعمًا قانونيًا للأندية الصغيرة.
فيما يتعلق بالرعاية الصحية، يمكن توسيع فكرة الصندوق الوطني ليشمل أيضًا دعم تدريب الكوادر الطبية المتخصصة في الطب الرياضي، وضمان توافر مراكز طبية مؤهلة في جميع أنحاء البلاد. على مستوى الاستثمار، ينبغي تقديم حوافز مالية وتشجيعية للمستثمرين الذين يركزون على تطوير البنية التحتية، مثل بناء ملاعب حديثة أو إنشاء أكاديميات رياضية متخصصة.
أخيرًا، يجب أن تكون هناك حملات توعية شاملة تستهدف اللاعبين وأسرهم، تُعرفهم بحقوقهم القانونية وآليات المطالبة بها. يمكن أن تُصاحب هذه الحملات ورش عمل تنظمها الأندية بالتعاون مع خبراء قانونيين ورياضيين، لرفع مستوى الوعي لدى المجتمع الرياضي ككل.
قانون الرياضة المصري رقم 71 لسنة 2017 كان خطوة كبيرة نحو تنظيم القطاع الرياضي، لكنه يحتاج إلى تطور مستمر لمواكبة التحديات المستقبلية. تطبيق المقترحات الذكية والمبتكرة يمكن أن يضمن بيئة رياضية أكثر عدالة واستدامة، تُسهم في إعداد جيل جديد من الرياضيين المحترفين القادرين على تمثيل مصر في الساحات الدولية بأفضل صورة.
للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على info@eg.andersen.com