النظام القانوني ولوائح الطرح العام الأولي (IPO) في مصر
الطرح الأولي (Initial Public Offering – IPO) هو عملية تحول الشركة من كيان خاص إلى شركة مساهمة عامة عبر عرض جزء من أسهمها على الجمهور للمرة الأولى. من الناحية القانونية، لا يمثل الطرح مجرد عملية مالية أو استثمارية، بل هو تغيير جوهري في الوضع القانوني للشركة، يترتب عليه انتقالها إلى إطار أكثر صرامة من حيث الشفافية والإفصاح والرقابة.
يصبح للشركة التزام مزدوج: تجاه المساهمين الجدد الذين يدخلون عبر الاكتتاب، وتجاه السوق والجهات الرقابية التي تضمن نزاهة التداول وحماية حقوق المستثمرين.
الإطار التشريعي المنظم للطرح الأولي
تختلف القوانين المنظمة من بلد إلى آخر، لكن هناك سمات مشتركة في معظم التشريعات:
١-قوانين سوق المال والأوراق المالية:
تخضع عمليات الطرح الأولي لإطار تشريعي ورقابي يختلف من دولة إلى أخرى، غير أن هناك سمات عامة مشتركة بين معظم الأنظمة، تتمثل في القوانين واللوائح المنظمة لسوق المال والأوراق المالية، والتي تحدد شروط الإدراج، وإجراءات الإفصاح، وآليات حماية المستثمرين.
حيث انه في مصر، ينظم قانون سوق المال رقم ٩٥ لسنة ١٩٩٢ ولائحته التنفيذية قواعد الطرح والإدراج في البورصة.
2-القوانين المنظمة للشركات:
لا يجوز الطرح الأولي إلا من خلال الشركات المساهمة، وذلك بعد تعديل نظامها الأساسي بما يتوافق مع متطلبات التداول العلني، مثل زيادة نسبة أو عدد الأعضاء المستقلين في مجلس الإدارة، أو إعادة هيكلة رأس المال بما يسمح باستيفاء شروط القيد. وتكمن أهمية هذه التعديلات في ضمان توافر الحد الأدنى من معايير الحوكمة والشفافية قبل دخول الشركة إلى السوق العام.
أما من الناحية الرقابية، فتتولى هيئات متخصصة اعتماد نشرة الاكتتاب والإشراف على تنفيذها والتأكد من التزام الشركات بجميع القواعد والإفصاحات المطلوبة. ففي مصر، تضطلع الهيئة العامة للرقابة المالية (FRA) بهذا الدور.
وبذلك يُمكن القول إن الإطار التشريعي والرقابي يشكل دعامة أساسية لنجاح الطرح، إذ يوازن بين تمكين الشركات من الوصول إلى التمويل وبين حماية حقوق المستثمرين وضمان نزاهة السوق.
الإجراءات القانونية للطرح الأولي
١. التحضير المؤسسي:
تبدأ أولى مراحل الطرح بمرحلة التحضير المؤسسي، حيث تُعاد هيكلة الشركة بما يجعلها مؤهلة قانوناً وإدارياً للإدراج في البورصة. ويشمل ذلك تحويل الكيان القانوني إلى شركة مساهمة عامة، وتطبيق قواعد الحوكمة الرشيدة من خلال تشكيل مجلس إدارة يضم أعضاء مستقلين ولجان متخصصة، بالإضافة إلى مراجعة دقيقة للعقود والالتزامات القائمة للتأكد من خلوها من أي بنود قد تعيق عملية الطرح.
كما تلتزم الشركة بإعداد قوائم مالية لعدد من السنوات السابقة، تكون مدققة ومعتمدة من مراقب حسابات مستقل مسجل لدى الجهة الرقابية المختصة، بحيث تعكس هذه القوائم الوضع المالي الحقيقي للشركة وتُمكّن المستثمرين والجهات التنظيمية من تكوين صورة واضحة وشفافة عن أدائها واستقرارها المالي قبل الدخول في عملية الاكتتاب العام.
٢. إعداد نشرة الاكتتاب:
تُعد نشرة الاكتتاب الوثيقة القانونية الأهم في عملية الطرح الأولي، فهي تمثل المصدر الرئيسي الذي يستند إليه المستثمرون في اتخاذ قراراتهم الاستثمارية. وتتضمن هذه النشرة وصفاً دقيقاً لطبيعة نشاط الشركة وأهدافها المستقبلية، مع تقديم صورة واضحة عن مركزها المالي ونتائجها المحاسبية لعدد من السنوات السابقة. كما تشمل النشرة بياناً بالمخاطر المحتملة التي قد تواجه الشركة، سواء كانت مخاطر سوقية تتعلق بتقلبات الأسعار والطلب، أو تشغيلية متصلة بالقدرة على إدارة الأعمال، أو قانونية ناتجة عن نزاعات أو التزامات قضائية قائمة.
وتحدد النشرة كذلك خطة استخدام حصيلة الطرح، بما يتيح للمستثمرين معرفة أوجه توظيف الأموال الجديدة ومدى مساهمتها في تعزيز قيمة الشركة. ومن الناحية القانونية، يُجرّم القانون صراحة تضمين أي بيانات كاذبة أو مضللة في نشرة الاكتتاب، حيث يعد ذلك إخلالاً جوهرياً قد يعرّض الشركة ومسؤوليها للمساءلة المدنية والجنائية. ولذلك تخضع هذه النشرة لفحص دقيق من قبل الجهة الرقابية المختصة قبل اعتمادها وإجازة عملية الطرح.
٣. الحصول على الموافقات الرسمية:
بعد الانتهاء من إعداد نشرة الاكتتاب وفق المتطلبات القانونية والفنية، يجب تقديمها إلى الجهة الرقابية المختصة لمراجعتها بدقة والتأكد من استيفائها لكافة الشروط المتعلقة بالإفصاح والشفافية وحماية المستثمرين. ولا يحق للشركة فتح باب الاكتتاب أو الشروع في طرح أسهمها للجمهور إلا بعد صدور قرار رسمي باعتماد هذه النشرة من الهيئة الرقابية. ويُعد هذا الاعتماد بمثابة الضمان القانوني بأن المعلومات المقدمة للمستثمرين صحيحة وكاملة، وبأنه قد تم الالتزام بالإطار التشريعي المنظم لعمليات الطرح العام.
٤. عملية الاكتتاب:
تُعد عملية الاكتتاب المرحلة التنفيذية الأهم في الطرح الأولي، حيث يتم فتح باب الاكتتاب سواء بشكل عام للجمهور أو بشكل خاص من خلال الطرح الخاص (Private Placement) لفئة محددة من المستثمرين. وتحدد الشركة بالاتفاق مع المستشار المالي والجهات الرقابية الحد الأدنى والحد الأقصى لعدد الأسهم التي يمكن لكل مستثمر الاكتتاب فيها، بما يضمن توزيعاً عادلاً ويمنع تركز الملكية بيد عدد محدود من المساهمين.
وتُدار العملية بالكامل من خلال البنوك أو شركات السمسرة المرخصة، والتي تتولى تلقي طلبات الاكتتاب وتحصيل الأموال المودعة من المستثمرين وفقاً للإجراءات القانونية والضوابط المعتمدة. كما تلتزم هذه الجهات بتجميع الطلبات وفرزها وإعداد التقارير اللازمة لمديري الطرح والجهات الرقابية، بما يضمن شفافية العملية وسلامة تخصيص الأسهم. وبعد انتهاء فترة الاكتتاب، يتم الإعلان عن نتائج التغطية وتخصيص الأسهم ورد الفائض إن وُجد، تمهيداً لمرحلة القيد وبدء التداول في البورصة.
٥. قيد الأسهم في البورصة
تُعد عملية قيد الأسهم في البورصة الخطوة النهائية في رحلة الطرح الأولي، فهي النقلة التي تمنح الشركة صفة “الشركة المدرجة” وتفتح الباب أمام تداول أسهمها بشكل رسمي في السوق.
إدراج الأسهم للتداول في السوق الرسمية: يتم إدراج أسهم الشركة في السوق المنظمة بعد استيفاء جميع المتطلبات القانونية والتنظيمية، وهو ما يسمح للمستثمرين بشراء وبيع الأسهم عبر آليات التداول المعتمدة. ويُعتبر هذا الإدراج بمثابة شهادة على التزام الشركة بمعايير الإفصاح والحوكمة، ويُتيح لها الاستفادة من السيولة التي يوفرها السوق العام، فضلاً عن تعزيز مكانتها أمام المستثمرين والمؤسسات المالية.
إعلان أول سعر تداول رسمي: عند بدء التداول، يتم الإعلان عن أول سعر رسمي للسهم، والذي يُحدد بناءً على معايير العرض والطلب ووفقاً لنتائج الاكتتاب والإقبال الاستثماري. هذا السعر يمثل المؤشر الأول على تقييم السوق للشركة بعد إدراجها، ويُعتبر مرجعاً أساسياً في تحديد توجهات المستثمرين في المدى القصير، كما يعكس مستوى الثقة في أداء الشركة وخططها المستقبلية.
خاتمة
إن الطرح الأولي، من منظور قانوني، لا يُعد مجرد وسيلة مالية لزيادة رأس المال، بل هو عملية قانونية متكاملة تعيد تشكيل وضع الشركة وتضعها في إطار جديد من التنظيم والشفافية. ويتوقف نجاح هذه العملية على التزام الشركة الصارم بالضوابط والاشتراطات القانونية، وعلى كفاءة الجهات الرقابية في تطبيق القوانين وحماية حقوق المستثمرين. ومع تسارع وتيرة التطورات التشريعية حول العالم، أصبح الطرح الأولي يمثل أداة استراتيجية للدول في تعزيز جاذبية أسواقها المالية، وفتح قنوات أوسع لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية ودعم مكانتها في الاقتصاد العالمي.
للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على info@eg.andersen.com