الوضع القانوني للعملات الرقمية في مصر
العملات الرقمية مثل البيتكوين والإيثيريوم أحدثت تحولًا كبيرًا في النظام المالي العالمي، حيث قدمت تقنيات لا مركزية تتجاوز الوسطاء التقليديين مثل البنوك. لكن في مصر، أثار صعود هذه العملات الكثير من الالتباس وسوء الفهم. فالبعض يراها طريقًا سريعًا لتحقيق الثراء، والبعض الآخر يربطها بأنشطة غير قانونية، بينما هناك من يسيء فهم فكرة اللامركزية، وهي الأساس لتقنية البلوك شين (Blockchain)
اللامركزية تعني أن العملات الرقمية(المشفرة) لا تخضع لسلطة مركزية مثل البنوك أو الحكومات، بل تعمل عبر شبكات موزعة تعتمد على تقنيات تشفير لضمان الأمان. على المستوى العالمي، يُنظر إلى هذا الابتكار كوسيلة لتحرير الأفراد ماليًا، لكنه يثير في مصر مخاوف تتعلق بالاستقرار الوطني والأمن المالي، اذ حيث تنظر الحكومة إلى الأنظمة المالية غير المنظمة على أنها تهديدات للاستقرار والأمن الوطنيين.
في هذا السياق، تبنى البنك المركزي المصري موقفًا صارمًا تجاه العملات المشفرة، حيث حظر استخدامها دون موافقة مسبقة؛ ويعكس هذا النهج الأوسع الذي تنتهجه الدولة في التحكم في التقنيات المالية لضمان الامتثال للقوانين الوطنية، ومنع إساءة استخدامها في الأنشطة غير المشروعة، وحماية استقرار الجنيه المصري.
الإطار القانوني الذي يحكم العملات المشفرة في مصر
قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي (القانون رقم 194 لسنة 2020)
في مصر، يكون اساس النهج التنظيمي للعملات المشفرة هو قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي. تحظر المادة 206 من هذا القانون صراحة إصدار أو تداول أو الترويج للعملات المشفرة أو الوحدات المشفرة دون موافقة مسبقة من البنك المركزي المصري. يمكن أن يؤدي انتهاك هذا الحكم إلى عقوبات شديدة، بما في ذلك الغرامات والسجن.
ويرتكز منطق البنك المركزي المصري على حماية النظام المالي من المخاطر المرتبطة بالعملات المشفرة، مثل:
- التقلب: المشفرة مثل البيتكوين غير مستقرة بشكل سيئ السمعة، حيث تتقلب الأسعار بشكل كبير في فترات قصيرة.
- الاحتيال والنصب: إن غياب التنظيم يجعل من السهل على المخططات الاحتيالية استغلال المستخدمين غير المطمئنين..
- الأنشطة غير المشروعة: يمكن استخدام العملات المشفرة لتمويل الأنشطة غير القانونية، بما في ذلك غسل الأموال والإرهاب.
ومن خلال فرض ترخيص صريح لأي نشاط مرتبط بالعملات المشفرة، يضمن القانون احتفاظ الحكومة بالسيطرة على التقنيات المالية التي قد تؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصاد.
بيان رسمي من البنك المركزي المصري (2021)
في يناير 2021، كرر البنك المركزي المصري موقفه بشأن العملات المشفرة من خلال بيان رسمي. حذر البيان الجمهور من تداول أو استخدام العملات الرقمية، مسلطًا الضوء على عدم وجود حماية قانونية للمستخدمين. وأكد أن أي خسائر مالية يتكبدها الناس بسبب تداول العملات المشفرة لن يتم تعويضها بموجب القانون المصري.
يتماشى هذا الموقف الحذر مع المخاوف العالمية بشأن العملات الرقمية، لا سيما طبيعتها المضاربة وقدرتها على تجاوز الأنظمة المالية التقليدية.
تأثيرات واسعة على الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) والتمويل اللامركزي (DeFi)
على الرغم من أن القانون يركز بشكل أساسي على العملات الرقمية، إلا أنه يؤثر بشكل غير مباشر على التقنيات المرتبطة بها مثل الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) والتمويل اللامركزي (DeFi). تمثل NFTs ملكية الأصول الرقمية، بينما تقدم منصات التمويل اللامركزي خدمات مصرفية دون الحاجة إلى وسطاء، وكلاهما يعتمد على تقنية البلوكشين. ونظرًا لأن هذه الأنظمة غالبًا ما تتطلب استخدام العملات الرقمية، فإن تبنيها في مصر يظل محدودًا بسبب اللوائح الصارمة التي تفرضها الدولة.
كيف يختلف نهج مصر عن الاتجاهات العالمية
على مستوى العالم، تبنت الدول نهجًا متنوعًا في التعامل مع العملات الرقمية، يعكس أولوياتها المختلفة واهتماماتها الاقتصادية. ففي حين تسعى دول مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى دمج العملات الرقمية في أنظمتها المالية من خلال فرض الضرائب ووضع لوائح تنظيمية، اختارت دول أخرى، مثل الصين، حظر تعدين العملات الرقمية وتداولها بشكل كامل.
أما في منطقة مجلس التعاون الخليجي (GCC)، فدول مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية تستكشف تبني العملات الرقمية بشكل منظم، مستفيدة من تقنية البلوكشين لتنفيذ مشاريع وطنية.
في المقابل، اتبعت مصر نهجًا أكثر تقييدًا، حيث حظرت تداول العملات الرقمية وإصدارها والترويج لها دون الحصول على موافقة مسبقة. هذا النهج يعكس أولويات الحكومة في النقاط التالية:
- السيادة النقدية: الطبيعة اللامركزية للعملات الرقمية قد تهدد استقرار الجنيه المصري من خلال إدخال أشكال بديلة للقيمة يمكن أن تؤثر على سياسات النقد التي تديرها الدولة.
- مكافحة الجرائم المالية: توفر المعاملات بالعملات الرقمية درجة من الخصوصية تجعلها جاذبة للأنشطة غير المشروعة مثل غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. ومن هنا، تهدف مصر إلى منع هذا النوع من المخاطر.
- الحفاظ على ثقة الجمهور في النظام المالي: من خلال الحد من التعاملات المالية غير المنظمة، تسعى الحكومة إلى حماية المواطنين من المخاطر المرتبطة بأسواق العملات الرقمية التي تتسم بالتقلب والمضاربة.
الاعتبارات الدينية في الجدل حول العملات الرقمية
إلى جانب المخاوف القانونية والاقتصادية، يتأثر موقف مصر من العملات الرقمية بالأحكام الدينية. ففي عام 2018، أصدر مفتي الجمهورية فتوى اعتبر فيها العملات الرقمية مثل البيتكوين “حرامًا” (محرمة وفقًا للشريعة الإسلامية). واستندت الفتوى إلى أن الطبيعة المضاربة للعملات الرقمية، إلى جانب احتمالية استخدامها في الاحتيال والأنشطة غير المشروعة، تتعارض مع مبادئ التمويل الإسلامي.
وعلى الرغم من أن الفتوى لا تحمل قوة القانون، إلا أنها أثرت بشكل كبير على الرأي العام، مما دفع العديد من المصريين إلى تجنب التعامل مع العملات الرقمية.
التحديات التي تواجه داعمين العملات الرقمية والشركات في مصر
رغم القيود المفروضة، يظل الاهتمام بالعملات الرقمية قويًا بين المصريين، لا سيما الشباب الملمين بالتكنولوجيا والجاذبين إلى الاتجاهات العالمية. وفيما يلي أبرز التحديات التي يواجهها عشاق العملات الرقمية والشركات داخل البلاد:
- غياب الحماية القانونية: في ظل عدم وجود إطار تنظيمي يحمي الاستثمارات، يواجه المستخدمون مخاطر كبيرة قد تؤدي إلى خسائر فادحة.
- الوصول المحدود إلى المنصات: غالبًا ما تتجنب منصات العملات الرقمية العالمية الشهيرة دخول الأسواق مثل مصر بسبب عدم وضوح اللوائح التنظيمية.
- الخوف من التداعيات القانونية: الحظر الصريح بموجب المادة 206 يثني الأفراد والشركات عن استكشاف التقنيات القائمة على البلوكشين خوفًا من التعرض للمساءلة القانونية.
على الرغم من أن مصر تفرض قيودًا صارمة على العملات الرقمية، إلا أن إمكانات تقنية البلوكشين لا تزال غير مستغلة إلى حد كبير. اذ تُعد البلوكشين، الأساس الذي تقوم عليه العملات الرقمية، أداة متعددة الاستخدامات قادرة على إحداث تحول في العديد من الصناعات. بدلاً من اقتصار ارتباط البلوكشين بالعملات الرقمية فقط، يمكن لمصر الاستفادة من هذه التقنية لمواجهة تحديات في قطاعات مختلفة. تشمل الفرص الرئيسية ما يلي:
- أنظمة تسجيل الأراضي:
يمكن لتقنية البلوكشين أن تسهم في إنشاء سجلات ملكية غير قابلة للتلاعب وشفافة وسيؤدي ذلك إلى تقليل حالات الاحتيال في معاملات الأراضي وتحسين كفاءة نظام تسجيل العقارات في مصر.
- إدارة سلاسل التوريد:
من خلال اعتماد البلوكشين، يمكن لمصر تعزيز الشفافية وقابلية التتبع في الخدمات اللوجستية التجارية. وبذلك ستكون هذه الميزة ذات أهمية خاصة للصناعات الرئيسية مثل الزراعة، والتصنيع، والصادرات.
- حلول الهوية الرقمية:
يمكن للبلوكشين توفير أنظمة هوية رقمية آمنة، تقلل من الاحتيال وتضمن مصداقية بيانات المواطنين. ويمكن تطبيق هذه الحلول في مجالات مثل الحوكمة الإلكترونية، أنظمة التصويت، والوصول إلى الخدمات الحكومية.
الوضع القانوني للعملات المشفرة في مصر
السؤال حول ما إذا كانت العملات المشفرة قانونية في مصر له إجابة واضحة وحاسمة: العملات المشفرة، بما في ذلك البيتكوين، غير قانونية بموجب القانون المصري. اذ يحظر قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي (القانون رقم 194 لسنة 2020) صراحة إصدار أو تداول أو الترويج للعملات المشفرة دون موافقة مسبقة من البنك المركزي المصري.وتحدد المادة 206 من القانون عقوبات صارمة، بما في ذلك الغرامات والسجن، لمن يمارسون أنشطة غير مصرح بها تتعلق بالعملات المشفرة.
وقد حذر البنك المركزي المصري الجمهور مرارًا وتكرارًا من مخاطر تداول العملات المشفرة. وفي بيان رسمي صدر في يناير 2021، أكد البنك المركزي المصري أن العملات المشفرة تعمل خارج نطاق التنظيم المالي التقليدي، مما يترك المستخدمين غير محميين من الاحتيال والخسائر المالية والتقلبات العالية التي تميز الأصول الرقمية. وأوضحت أن القانون المصري لا ينص على أي سبيل قانوني لاسترداد الأموال المفقودة في معاملات العملات المشفرة.
تأثير الحظر على البيتكوين والعملات الرقمية الأخرى
نظرًا لأن البيتكوين والعملات المشفرة المشابهة تُصنف ضمن فئة “الوحدات المشفرة”، فإنها تخضع للقيود المنصوص عليها في القانون المصري. وهذا يشمل:
- تداول البيتكوين: يُحظر على الأفراد شراء أو بيع أو تبادل البيتكوين دون الحصول على موافقة صريحة من البنك المركزي المصري.
- عمليات التعدين: يُعتبر تعدين البيتكوين أو أي عملات رقمية أخرى نشاطًا غير قانوني، نظرًا لأنه يتضمن إنشاء وحدات مشفرة جديدة دون ترخيص من البنك المركزي.
- الترويج أو تسهيل استخدام العملات الرقمية: يُمنع أي محاولة للترويج لاستخدام العملات الرقمية أو تسهيل المعاملات المتعلقة بها، سواء من خلال الإعلانات أو توفير منصات للتعاملات.
مستقبل العملات المشفرة في مصر
رغم الموقف القانوني الحالي، يزداد الاهتمام بالعملات الرقمية في مصر بشكل مستمر، حيث ان هناك عوامل مثل الاتجاهات العالمية لتبني العملات الرقمية، وزيادة استخدام تقنية البلوكشين، والطلب العام، قد تدفع صناع القرار إلى إعادة النظر في هذه القيود مستقبلاً. ويُظهر التوسع التدريجي في استخدام البلوك شين(Blockchain) لتطبيقات غير مالية أن مصر قد تنظر يومًا ما في وضع إطار تنظيمي أكثر مرونة للأصول الرقمية.
في الوقت الراهن، يظل الوضع القانوني صارمًا. تُعتبر العملات الرقمية مثل البيتكوين غير قانونية في مصر، ويواجه الأفراد الذين يتعاملون بها أو يتاجرون فيها مخاطر قانونية كبيرة.
للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على info@eg.andersen.com