Worldwide Locations:

إدارة ضريبة الاستقطاع للمستثمرين الأجانب

في ظل العولمة المتسارعة، أصبحت الاستثمارات العابرة للحدود والتمويل الدولي من الركائز الأساسية في استراتيجيات الشركات وإدارة الثروات الخاصة. ومع انتقال الأموال بين الدول، تبرز مسألة ضريبة الاستقطاع عند دفع الدخل مثل الأرباح الموزعة أو الفوائد أو الإتاوات من دولة إلى جهة أجنبية. وتُفرض هذه الضريبة من قبل الدولة المصدّرة للدخل قبل تحويل المبالغ، بهدف ضمان مساهمة المستثمرين الأجانب في الإيرادات العامة.

إلا أنّ وجود اتفاقية لتجنب الازدواج الضريبي (DTA) بين دولتين قد يمنح المستثمرين حق الاستفادة من معدلات ضريبية مخفّضة. ويمكن الحصول على هذه المزايا عبر طريقتين رئيسيتين: الإعفاء من الضريبة عند المصدر أو استرداد الضريبة بعد الدفع.

فهم الإعفاء من ضريبة الاستقطاع عند المصدر

يتيح الإعفاء من ضريبة الاستقطاع عند المصدر تطبيق المعدل الضريبي المخفّض المنصوص عليه في الاتفاقية الضريبية قبل تحويل الدخل إلى المستثمر. ويتطلب ذلك عادةً تقديم المستندات اللازمة مسبقًا — مثل شهادة الإقامة الضريبية والنماذج الخاصة بالمطالبة بالمعاهدة — إلى الجهة الدافعة أو الوسيط المالي. وبعد التحقق من صحة المستندات من قبل مصلحة الضرائب أو الوكيل الضريبي، يتم تطبيق المعدل المنخفض مباشرة بحيث تُدفع المبالغ بعد خصم الضريبة وفق النسبة المحددة في الاتفاقية.

على سبيل المثال، قد يستفيد مستثمر من هونغ كونغ يتلقى أرباحًا من شركة ألمانية من معدل استقطاع يبلغ١٥٪ فقط بموجب اتفاقية الازدواج الضريبي بين ألمانيا وهونغ كونغ، بدلاً من المعدل المحلي البالغ ٢٥٪، إذا تم تقديم المستندات المطلوبة مسبقًا.

تتمثل الميزة الأساسية لهذا النهج في الكفاءة المالية، إذ يتجنب المستثمر دفع ضرائب زائدة ويحافظ على تدفق نقدي أفضل. ومع ذلك، يتطلب هذا الإجراء تخطيطًا دقيقًا وتقديم المستندات في الوقت المناسب. وفي بعض الدول، قد تكون إجراءات الحصول على الإعفاء معقدة أو تتطلب موافقة مسبقة من السلطات الضريبية قبل صرف الدفعات.

آلية الاسترداد: استرجاع الضريبة المستقطعة الزائدة

عندما يتعذر الحصول على الإعفاء عند المصدر أو لم يتم تقديم المستندات المطلوبة في الوقت المحدد، يمكن للمستثمرين استرداد الضريبة الزائدة من خلال تقديم طلب استرداد بعد الدفع. في هذه الحالة، يقوم الدافع بحجز الضريبة وفق المعدل المحلي الكامل، ثم يتقدم المستثمر الخارجي بطلب إلى مصلحة الضرائب في دولة المصدر لاستعادة الفارق بين المعدل المحلي والمعدل الممنوح بموجب المعاهدة الضريبية.

يتطلب هذا الطلب عادةً تقديم مجموعة من الوثائق الداعمة، مثل شهادة الإقامة الضريبية، وإثبات الضريبة المقتطعة، وإقرارات الملكية الفعلية للدخل، والنماذج الخاصة بالاتفاقية. وبعد مراجعة السلطات الضريبية للطلب والمستندات، يتم رد المبلغ الزائد.

وبالعودة إلى المثال السابق، إذا لم يحصل المستثمر من هونغ كونغ على الإعفاء عند المصدر، فسيُخصم من أرباحه ٢٥٪ كضريبة استقطاع، ثم يمكنه المطالبة باسترداد الفرق البالغ ١٠٪من مصلحة الضرائب الألمانية. وعلى الرغم من أنّ هذه الآلية متاحة على نطاق واسع وتوفر مرونة كبيرة، إلا أنها قد تكون بطيئة وتستغرق وقتًا طويلاً، إذ قد تتأخر عمليات الاسترداد لأشهر أو حتى سنوات، مما يحد مؤقتًا من السيولة المالية للمستثمر.

الاعتبارات الإستراتيجية للمستثمرين الخارجيين

يسعى كلٌّ من نظامي الإعفاء والاسترداد إلى تحقيق الهدف نفسه وهو تطبيق المعدل الضريبي الصحيح وفق المعاهدة، إلا أن الاختيار بينهما يعتمد على طبيعة هيكل المستثمر، والدولة المعنية، والقدرة الإدارية المتاحة.

تميل المؤسسات المالية الكبرى والشركات متعددة الجنسيات إلى تفضيل الإعفاء عند المصدر لما يوفره من مزايا فورية وسهولة في التعامل مع الدفعات المتكررة. في المقابل، يعتمد المستثمرون الأفراد أو الكيانات الصغيرة عادةً على آلية الاسترداد، خاصة عند غياب البنية التحتية أو الدعم الإداري اللازم للحصول على الإعفاء المسبق. وهكذا يمكن القول إن الإعفاء عند المصدر يعزز الكفاءة والسيولة، بينما يمنح الاسترداد مرونة أكبر لكنه يفرض أعباءً إدارية وتأخيرات مالية.

التطورات التقنية والممارسات الحديثة

يشهد العالم اليوم تحولات متسارعة في إدارة ضرائب الاستقطاع بفضل التطورات التقنية والتحول الرقمي. فقد ظهرت منصات رقمية متخصصة تُسهّل عمليات المطالبة بالاسترداد للمستثمرين الخارجيين، وتقوم بخدمة آلية لإعداد المستندات وتقديمها وتتبعها. ومن أبرز هذه الشركات GlobeTax وWTax، اللتان أسهمتا في تحسين الكفاءة وتقليص الأخطاء البشرية في عمليات الاسترداد.

وفي الوقت نفسه، تعمل العديد من الدول على تحديث أنظمتها الضريبية لاعتماد إجراءات الإعفاء الآلي أو شبه الآلي عند المصدر تماشيًا مع توصيات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). ومع هذا التطور، يتجه النظام الضريبي العالمي تدريجيًا نحو تطبيق فوري لمزايا المعاهدات بدلاً من الاعتماد الكامل على آليات الاسترداد اللاحقة.

ختاما

في جوهرها، تُعدّ آليات الإعفاء الضريبي واسترداد الضريبة المستقطعة من المنبع أدواتٍ مُكمّلة لإدارة المخاطر الضريبية العابرة للحدود. فبينما يُحسّن الإعفاء الضريبي من المنبع التدفق النقدي والكفاءة، تضمن أنظمة استرداد الضريبة العدالة عندما يتعذّر تطبيق الإعفاء الضريبي المُقدّم. بالنسبة للمستثمرين الأجانب، يعتمد الخيار الاستراتيجي على هيكل الكيان، وقدرته الإدارية، والبنية التحتية الرقمية المتطورة للسلطات الضريبية. ومع استمرار تطور الشفافية والأتمتة الضريبية عالميًا، سيُحدّد التوازن بين الكفاءة والامتثال مستقبل إدارة الضريبة المستقطعة من المنبع بشكل متزايد.

 للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على  info@eg.andersen.com

Written By

Tax Department
door