أمكانا حول العالم:

عيوب المادة ٣٦٨ في مشروع قانون الإجراءات الجنائيه

في مشروع قانون الإجراءات الجنائية المصري، تبرز المادة ٣٦٨ كأحد النصوص التي تثير تساؤلات عميقة حول مدى التزام القانون بمبادئ العدالة وضمانات المحاكمة العادلة. فبموجب هذه المادة، يُفرض على المتهم الغائب الذي صدر بحقه حكم بالإدانة في جناية، حرمان شامل من التصرف في أمواله أو إدارتها، مع بطلان أي تصرف يقوم به، ومنعه من رفع الدعاوى القضائية باسمه. وتُعين المحكمة حارسًا قضائيًا لإدارة أمواله طوال فترة غيابه وقد بررت الحكومه ذلك بان الهدف من النص هو حث المحكوم عليه على اعاده الاجراءات في الحكم الغيابي!

أين العدالة في معاملة الغائب كمُدان نهائيًا؟

تنص المادة ٣٦٨ على عقوبات صارمة تُفرض بمجرد صدور حكم غيابي دون انتظار للحكم البات، وهو ما يُخالف مبدأ افتراض البراءة المنصوص عليه في الدستور المصري. المتهم الغائب يُعامل وكأنه قد أُدين بإرادة نهائية من القضاء، رغم أن القانون يتيح له إعادة الإجراءات وسقوط الحكم بمجرد حضوره.

جرائم غير مالية… وقيود مالية؟

المادة لا تميز بين طبيعة الجناية المرتكبة. سواء كانت الجريمة مالية كالنصب والاختلاس، أو غير مالية كـ إحداث عاهة مستديمة أو ضرب أفضى إلى موت، تُطبق نفس القيود. هذا يُعد إخلالًا بمبدأ التناسب، فليس من العدل فرض تدابير اقتصادية على جريمة لا تمت بصلة للأموال.

الحرمان من حق التقاضي: كارثة خفية

أخطر ما تضمنته المادة هو حرمان المتهم من رفع الدعاوى القضائية باسمه. هذا الحرمان يُعرضه لفقدان حقوقه في قضايا أخرى لا علاقة لها بالجناية، وقد يفقد حقه في:

  • الطعن على قرارات ضريبية لها مواعيد سقوط.
  • استئناف أو نقض أحكام مدنية خلال مدة محددة.
  • حماية ممتلكاته من اعتداءات الغير.
  • مصادرة للملكية قبل صدور حكم نهائي

    ما تفعله المادة هو مصادرة فعلية للملكية، من خلال تجميد الأصول وتعيين حارس قضائي، رغم أن المادة ٣٥ من الدستور تحظر المساس بالملكية إلا بحكم قضائي بات وللمنفعة العامة، وليس لإجبار متهم على الحضور.

    النص المعدل المقترح للمادة ٣٦٨

    “إذا صدر حكم غيابي بالإدانة في جناية، جاز للمحكمة بناءً على طلب النيابة العامة، أن تأمر بالتحفظ على أموال المحكوم عليه مؤقتاً إذا كانت الجريمة محل الاتهام تتعلق بأموال أو حقوق مالية، ويكون هذا التحفظ بموجب أمر مسبب.

    ويجوز للمحكمة تعيين حارس قضائي لإدارة الأموال المتحفظ عليها إذا رأت ضرورة لذلك.

    وتسقط جميع هذه الإجراءات تلقائيا فور قيام المتهم بإعادة الإجراءات في الحكم الغيابي او وفاته. وتُراعى في جميع الأحوال حقوق الغير حسن النية.”

    خاتمة

    المادة ٣٦٨ في صورتها الحالية تتجاوز حدود العدالة وتُقيد حقوق المتهم قبل أن تُمنح له فرصة الدفاع. يجب تعديلها لتُطبق فقط في الجرائم المالية وبأوامر قضائية مبررة، مع ضمان كامل لحقوق التقاضي وحرية التصرف حتى يصدر حكم بات. العدالة لا تتحقق بتجريد المتهم من حقوقه بسبب غيابه، بل بمنحه كل الضمانات لمحاكمة عادلة.

    كما ان تبرير النصوص القانونية المعيبة بأن “للمحكوم عليه أن يتفادى آثارها من خلال إعادة الإجراءات” هو تبرير قاصر ومردود عليه من الناحية الدستورية والقانونية. فالأصل أن التشريع يجب أن يكون سليماً في ذاته، وأن يحترم الحقوق والحريات التي كفلها الدستور، لا أن يُعالج عيوبه بإلقاء عبء التصحيح على المتهم أو المحكوم عليه.

    إذا كان النص يتضمن مصادرةً لحقوق أساسية مثل حرمان المحكوم عليه من حق التقاضي، أو فرض عقوبات تبعية غير متناسبة مع الجريمة المرتكبة، فإن القول بأن بإمكانه إعادة الإجراءات لا يُبرر مشروعية هذا النص، بل يكشف ضعفاً في بنيته التشريعية، ويُعد مخالفةً لمبدأ سيادة القانون الذي يوجب على المشرّع أن يصوغ نصوصه بما يتفق مع العدالة ومعايير المحاكمة العادلة.

    كما أن إعادة الإجراءات ليست وسيلة لتقويم النصوص، بل هي ضمانة إجرائية مُنحت للمتهم الغائب حتى يُمكّن من الدفاع عن نفسه، ولا يجوز استخدامها كذريعة لتمرير نصوص تُخالف المبادئ المستقرة، خاصة وأن بعض الآثار المترتبة على الحكم الغيابي قد تظل قائمة، وربما يتعذر على المتهم في حالات معينة إعادة الإجراءات، إما لوفاته أو لعذر قهري.

    إن مثل هذا التبرير لا يُغير من واقع أن النص محل الانتقاد يجب إعادة النظر فيه، وأن المعالجة الحقيقية تكمن في تصحيح النص ذاته بما يُحقق التوازن بين سلطة الدولة في العقاب، وحقوق الأفراد في التمتع بكافة ضمانات العدالة.

    وبالتالي، فإن العدالة لا تُبنى على افتراض أن المتهم سيُبادر إلى إصلاح الخلل، بل تُبنى على نصوص سليمة، عادلة، وموضوعية منذ لحظة صدورها

     للرد على اي استفسار قم بملء النموذج او تواصل معنا على  info@eg.andersen.com

    كُتب بواسطة

    ماهر ميلاد إسكندر - الشريك المدير

    إرسل رسالتك

    Posts - Page Form Ar
    Newsletter

    door